التصنيفات العالمية للجامعات: بين السعي للتميز الحقيقي وإغراءات التجميل الظاهري
في الفترة الأخيرة، أصبحنا نقرأ بشكل متكرر أخبارًا تتعلق بترتيب الجامعات العربية في التصنيفات العالمية. لا يهدف هذا المقال إلى شرح ماهية هذه التصنيفات، بل إلى تسليط الضوء على إيجابياتها وسلبياتها، وكيفية تعاملنا معها. في الواقع، نلاحظ في الوطن العربي عمومًا أن النقد العلمي الموضوعي لهذه التصنيفات يكاد يكون غائبًا، حيث يتم التعامل معها وكأنها موازين عالمية مُحكمة ودقيقة بلا أي شكوك. هذا التصوّر يدفع بعض الجامعات إلى التسابق بشكل استعراضي لنشر أخبار تُبرز “إنجازاتها” في هذه التصنيفات، غالبًا بصياغات إعلامية بعيدة عن الموضوعية والدقة العلمية.
لا شك أن التصنيفات العالمية تُعد مؤشرات أداء مهمة يمكن للجامعات أن تستفيد منها في تقييم أدائها وتحسينه بشكل مستمر. ومع ذلك، هناك انقسام بين الخبراء حول قدرة هذه التصنيفات على تشخيص واقع الجامعات بدقة. يعود هذا الانقسام إلى عدة عوامل، منها أن بعض التصنيفات تعتمد على استبانات لقياس السمعة الأكاديمية أو الوظيفية أو القدرة البحثية، بينما تعتمد أخرى على بيانات تقدمها الجامعات نفسها دون تدقيق كافٍ. هذا الأمر يفتح الباب أمام إمكانية “تزيين البيانات” من قبل الجامعات، خاصة في ظل غياب آليات تحقق ومراجعة صارمة.

على سبيل المثال، تم استبعاد جامعات من تصنيفات دولية بعد اكتشاف أنها قدمت بيانات مبالغ فيها حول خريجيها على مدى عقدين. هذه الواقعة، التي تم نشرها في وسائل إعلامية مرموقة مثل “CNN”، تُظهر أن التلاعب بالبيانات ليس بعيدًا عن المشهد الأكاديمي، خاصة في ظل التنافس الشديد بين الجامعات للحصول على مراكز متقدمة في هذه التصنيفات.
أما فيما يتعلق بالبحث العلمي، الذي يُعد معيارًا رئيسيًا في معظم التصنيفات العالمية، فإن هناك ثغرات منهجية قد تؤثر على مصداقية النتائج. على سبيل المثال تفوقت جامعات معينة في مؤشر معدلات الاستشهادات البحثية، متجاوزة بذلك جامعات مرموقة مثل هارفارد وكامبريدج. هذا التفوق غير المألوف أثار تساؤلات حول منهجية التصنيف وأدوات القياس المستخدمة، مما أثر على مصداقية النتائج.
ولا يمكن إغفال دور الإعلام في تضخيم نتائج هذه التصنيفات، مما يساهم في تشويه المشهد الأكاديمي. علما ان هذا النوع من التغطية الإعلامية لا يخدم سمعة الجامعات ولا يعكس الواقع الأكاديمي بدقة.

في الختام، يمكن القول إن التصنيفات العالمية للجامعات لها إيجابياتها وسلبياتها. من المهم أن نتعامل معها بموضوعية، وأن نستخدمها كأداة لتحسين الأداء الأكاديمي والبحثي، دون الانجراف وراء الإعلام المُضلل أو التلاعب بالبيانات. يجب أن نسعى دائمًا إلى تطبيق أعلى معايير المهنية والمصداقية في تحليلنا لهذه التصنيفات، حتى نساهم في الارتقاء بجامعاتنا ووطننا العربي بشكل عام.