تطورات التصنيفات الجامعية العالمية: تحولات في نماذج التقييم والاستدامة
مقدمة
تشهد منظومة التصنيفات الجامعية العالمية تحولات جذرية في العام 2025، حيث تعيد المؤسسات الرائدة في هذا المجال النظر في منهجياتها وأهدافها الاستراتيجية. تسلط هذه المراجعة الضوء على التطورات الحديثة في تصنيفات التعليم العالي، مع التركيز على التحولات في مؤسسة التايمز للتعليم العالي (THE)، وتطورات كيو إس (QS)، والتغييرات في يو إس نيوز العالمية، في سياق التطلعات المتزايدة نحو الاستدامة والمسؤولية الأكاديمية.
التحولات الجذرية في تصنيفات التايمز للتعليم العالي
نمو تصنيفات الأثر والاستدامة
شهدت تصنيفات الأثر لأهداف التنمية المستدامة (SDGs) نمواً استثنائياً، حيث ازداد عدد المؤسسات المشاركة من 467 مؤسسة في 70 دولة عام 2019 إلى 2,526 مؤسسة في 130 دولة عام 2025. هذا النمو الهائل يعكس الاهتمام المتزايد بالاستدامة في التعليم العالي، لكنه أيضاً خلق تحديات تقنية ومالية جديدة للمؤسسة المُصنِّفة.


من بين المؤسسات المشاركة، حصلت 2,318 جامعة على تصنيف شامل، بينما شاركت 201 جامعة دون استيفاء المعايير الكاملة للحصول على تصنيف عام. هذه الفجوة تثير تساؤلات حول الشفافية والعدالة في عملية التصنيف.
التحول من التصنيفات إلى التقييمات
تمثل خطة التايمز لعام 2026 تحولاً جذرياً في النموذج التشغيلي، حيث ستتحول تصنيفات الأثر إلى “تقييمات أثر الاستدامة” (Sustainability Impact Ratings) مع إنشاء “شبكة أثر الاستدامة”. هذا التحول يتضمن عدة عناصر مهمة:
أولاً: نموذج الدفع المتدرج
- الدول عالية ومتوسطة الدخل العليا: 3,500 جنيه إسترليني سنوياً
- الدول متوسطة الدخل المنخفض: 1,000 جنيه إسترليني سنوياً
- الدول منخفضة الدخل: مجاناً
يثير هذا النموذج تساؤلات حول العدالة، خاصة أن 28 جامعة من الدول منخفضة الدخل شاركت في تصنيفات 2025، كما يغفل النموذج التفاوتات الداخلية بين الجامعات في نفس الفئة الاقتصادية.
ثانياً: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ستستخدم التايمز الذكاء الاصطناعي كخط دفاع أول في ضمان الجودة، استجابة للعبء المتزايد في تقييم آلاف نقاط البيانات من المؤسسات المشاركة.
إعادة هيكلة محفظة التصنيفات
قررت التايمز إيقاف عدة تصنيفات فرعية وتوحيد جهودها، كما يوضح الجدول التالي:
التصنيفات المُلغاة:
- التصنيف المستقل للسمعة
- تصنيفات المناطق (أفريقيا جنوب الصحراء)
- تصنيفات الجامعات الناشئة
- التصنيفات الإلكترونية
التصنيفات المستمرة:
- دمج السمعة في التصنيف العالمي (18% من بيئة البحث، 15% من التعليم)
- التصنيفات الإقليمية (آسيا، العربية، أمريكا اللاتينية)
- تصنيفات الأثر
- التصنيفات متعددة التخصصات
تطورات كيو إس في الاستدامة والسمعة
استقرار التصنيفات العالمية
حافظت كيو إس على استقرار نسبي في تصنيفاتها العالمية لعام 2026، حيث ضمت 1,503 مؤسسة، مع بقاء 18 من أفضل 20 جامعة في نفس المراكز المتقدمة. التوزيع الجغرافي للمراكز العشرين الأولى يعكس الهيمنة التقليدية: ست جامعات أمريكية، وأربع بريطانية، واثنتان لكل من أستراليا والصين وسنغافورة، وواحدة من هونغ كونغ وسويسرا.
منهجية تقييم السمعة
تعتمد كيو إس على نموذج مختلط يجمع بين القوائم المُنتقاة والاستجابات من الجامعات، مع آليات فحص لاستبعاد “الفاعلين السيئين”. هذا النهج يختلف عن التايمز التي تعتمد على الدعوات الحصرية، وعن كلاريفيت التي تشارك منهجيتها مع شركات أخرى.
تشكل تصنيفات السمعة البحثية وسمعة أرباب العمل 45% من التصنيف الإجمالي في كيو إس، مما يجعل هذا المكون حاسماً في المراكز النهائية.
نهاية عصر في يو إس نيوز
شهد يوليو 2025 تغييراً تاريخياً في يو إس نيوز، حيث تنحى روبرت مورس، الذي قاد التصنيفات منذ 1988، عن منصبه. مورس، الذي حوّل التركيز من المدخلات إلى المخرجات، سلّم المسؤولية لإيريك بروكس وكينيث هاينز. هذا التغيير قد يؤثر على منهجية التصنيفات العالمية التي أُطلقت عام 2015 مع تركيز أكبر على البحث.
التحديات والفرص المستقبلية
تحديات النموذج الجديد
- العدالة المالية: النموذج الاقتصادي الجديد للتايمز يثير مخاوف حول قدرة الجامعات في الدول النامية على المشاركة
- جودة البيانات: الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يطرح تساؤلات حول دقة التقييم
- التنوع الجغرافي: خطر تراجع التمثيل من البلدان النامية مع فرض الرسوم
الفرص الإيجابية
- التخصص: تركيز كل مؤسسة على نقاط قوتها (التايمز في التنوع الجغرافي، كيو إس في الجامعات المرموقة)
- الشبكات التعاونية: إنشاء شبكات استدامة تتجاوز مجرد التصنيف
- الذكاء الاصطناعي: إمكانية تحسين دقة وكفاءة التقييم
المبادرات الإيجابية والتعاون الدولي
رغم التحديات، تشارك مؤسسات التصنيف في مبادرات إيجابية، مثل مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة للتعليم العالي (HESI) التي تضم التايمز وكيو إس وإلسفير وكابيلز. هذه المشاركة تدل على وعي بالمسؤولية الاجتماعية لمؤسسات التصنيف.
خلاصة وتوقعات مستقبلية
تمر التصنيفات الجامعية العالمية بمرحلة تحول جذرية تعكس النضج المتزايد لهذا القطاع والتحديات المعاصرة في التعليم العالي. التحول من النماذج المجانية إلى نماذج الدفع، واعتماد الذكاء الاصطناعي، والتركيز على الاستدامة، كلها مؤشرات على تطور الصناعة.
المؤسسات التعليمية والباحثون وصانعو السياسات مدعوون لمتابعة هذه التطورات بعناية، وضمان أن التحولات الجديدة تخدم أهداف التطوير الأكاديمي والبحثي دون إقصاء المؤسسات الأقل قدرة مالياً. كما يتطلب الأمر مراقبة مستمرة لضمان الشفافية والعدالة في المنهجيات الجديدة.
ستكون السنوات القادمة حاسمة في تحديد مدى نجاح هذه التحولات في تحقيق التوازن بين الجودة الأكاديمية والشمولية الجغرافية والعدالة المالية، خاصة مع تزايد أهمية التصنيفات في اتخاذ القرارات الاستراتيجية للمؤسسات التعليمية والطلاب وأصحاب المصلحة الآخرين.
هذا التلخيص مُعدّ للنشر في السياق الأكاديمي العالمي ويركز على التطورات الحديثة في مجال التصنيفات الجامعية مع التحليل النقدي للتوجهات المستقبلية.
No comment