القيادة نحو المستقبل: الجامعات العربية في ضوء التصنيفات الدولية
مقدمة
في عالم يتسم بالتنافسية المتزايدة والتحولات المعرفية السريعة، أصبحت التصنيفات الدولية للجامعات مؤشراً حيوياً يعكس جودة التعليم العالي والبحث العلمي، ومحركاً أساسياً للتطوير والابتكار. لم تعد هذه التصنيفات مجرد قوائم رقمية، بل أضحت أداة استراتيجية للجامعات والحكومات على حد سواء لتقييم الأداء، وتحديد نقاط القوة والضعف، ورسم خارطة طريق نحو التميز العالمي. إنها بمثابة مرآة تعكس مدى مساهمة المؤسسات الأكاديمية في بناء اقتصاد المعرفة، وتأهيل الكفاءات، وإنتاج البحوث التي تعالج التحديات العالمية.
تكتسب هذه التصنيفات أهمية خاصة في المنطقة العربية، حيث تسعى العديد من الدول إلى تعزيز مكانة جامعاتها على الساحة الدولية، إيماناً منها بأن التعليم العالي المتميز هو الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار. ومع إعلان نتائج تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU) لعام 2025، والذي يُعد أحد أبرز التصنيفات وأكثرها تأثيراً، يصبح من الضروري تحليل هذه النتائج بعمق، لا سيما فيما يتعلق بأداء الجامعات العربية، ومقارنتها بالتصنيفات الدولية الأخرى مثل QS و Times Higher Education، لفهم الصورة الكاملة والتحديات والفرص المتاحة أمام التعليم العالي العربي في مسيرته نحو القيادة المستقبلية.
تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل شامل لوضع الجامعات العربية في التصنيفات الدولية، مع التركيز على نتائج تصنيف شنغهاي 2025، واستعراض أبرز الجامعات العربية التي حققت حضوراً في هذه التصنيفات، بالإضافة إلى مناقشة التحديات التي تواجهها الجامعات العربية وتقديم رؤى استراتيجية للارتقاء بمكانتها العالمية.))
تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU) 2025
يُعد تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU)، المعروف أيضاً باسم تصنيف شنغهاي، واحداً من أكثر التصنيفات الدولية شهرة وموثوقية، ويتميز بتركيزه الشديد على الأداء البحثي والجوائز الأكاديمية المرموقة. يعتمد التصنيف على ستة مؤشرات موضوعية رئيسية لتقييم الجامعات [1]:
•جودة التعليم (Quality of Education): تقاس بعدد خريجي الجامعة الحائزين على جوائز نوبل وميداليات فيلدز.
•جودة أعضاء هيئة التدريس (Quality of Faculty): تقاس بعدد أعضاء هيئة التدريس الحائزين على جوائز نوبل وميداليات فيلدز، وعدد الباحثين الأكثر استشهاداً بهم (Highly Cited Researchers).
•الإنتاج البحثي (Research Output): يقاس بعدد المقالات المنشورة في مجلتي Nature و Science، وعدد المقالات المفهرسة في مؤشرات الاستشهاد العلمي (Science Citation Index-Expanded) ومؤشرات الاستشهاد في العلوم الاجتماعية (Social Sciences Citation Index).
•الأداء الأكاديمي للفرد (Per Capita Academic Performance): يقاس بالأداء الأكاديمي للجامعة بالنسبة لحجمها.
تُظهر نتائج تصنيف شنغهاي 2025 استمرار هيمنة الجامعات الأمريكية والبريطانية على المراكز العشرة الأولى، حيث حافظت جامعات مثل هارفارد وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على صدارتها. أما بالنسبة للجامعات العربية، فقد كان حضورها محدوداً في قائمة أفضل 1000 جامعة عالمياً، وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها المنطقة في تحقيق التميز البحثي وفقاً لمعايير هذا التصنيف الصارمة.
الجامعات العربية في تصنيف شنغهاي 2025
وفقاً للبيانات المستخلصة من تقرير تصنيف شنغهاي ARWU 2025، كانت جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية هي الجامعة العربية الوحيدة التي تمكنت من الدخول ضمن قائمة أفضل 500 جامعة عالمياً، حيث جاءت في المرتبة 101-150 عالمياً [2]. هذا الترتيب يمثل تراجعاً عن أدائها في تصنيف 2024، حيث كانت في المرتبة 90 عالمياً. يعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل قد تكون مرتبطة بالتقلبات في مؤشرات الأداء البحثي أو التغيرات في منهجية التصنيف، أو التقدم السريع لجامعات أخرى عالمياً.
الجامعة | الدولة | ترتيب 2025 العالمي | ترتيب 2024 العالمي | نقاط Alumni | نقاط Award | نقاط HiCi | نقاط N&S | نقاط PUB | نقاط PCP |
جامعة الملك سعود | السعودية | 101-150 | 90 | 0.0 | 0.0 | 22.8 | 6.4 | 80.5 | 24.8 |
(المصدر: تقرير تصنيف شنغهاي ARWU 2025 [2])
تُظهر هذه الأرقام أن جامعة الملك سعود، على الرغم من كونها الجامعة العربية الوحيدة في هذه الفئة المتقدمة، لا تزال تواجه تحديات في مؤشرات مثل
نقاط الخريجين الحائزين على جوائز (Alumni)
أعضاء هيئة التدريس الحائزين على جوائز (Award)
كذلك المقالات المنشورة في مجلتي Nature و Science (N&S)
حيث تسجل هذه المؤشرات قيماً منخفضة أو صفرية. هذا يشير إلى أن الجامعات العربية، بما فيها جامعة الملك سعود، بحاجة إلى تعزيز جهودها في مجالات البحث الأساسي عالي التأثير، وجذب وتطوير الكفاءات البحثية التي يمكنها تحقيق إنجازات عالمية مرموقة.
الجامعات العربية في تصنيفات QS و Times Higher Education
على عكس تصنيف شنغهاي الذي يركز بشكل مكثف على الأداء البحثي، تعتمد تصنيفات دولية أخرى مثل QS World University Rankings و Times Higher Education (THE) World University Rankings على مجموعة أوسع من المعايير، تشمل السمعة الأكاديمية، سمعة أصحاب العمل، نسبة أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب، نسبة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الدوليين، والاستشهادات البحثية، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى تتعلق بالتوظيف والتدويل. هذا التنوع في المعايير يفسر ظهور عدد أكبر من الجامعات العربية في مراتب متقدمة في هذه التصنيفات مقارنة بتصنيف شنغهاي.
تصنيف QS للجامعات العربية 2026
يُظهر تصنيف QS للجامعات العربية لعام 2026 حضوراً قوياً للجامعات السعودية والقطرية والإماراتية. وقد تصدرت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (KFUPM) التصنيف عربياً، تلتها جامعة قطر، ثم جامعة الملك سعود [3]. ومن أبرز النتائج:
•جامعة الملك فهد للبتريرول والمعادن (KFUPM): المرتبة الأولى عربياً.المرتبة 67 عالميا
•جامعة قطر: المرتبة الثانية عربياً.المرتبة 112 عالميا
•جامعة الملك سعود: المرتبة الثالثة عربياً.المرتبة 143 عالميا
تصنيف Times Higher Education (THE) 2025
يُعد تصنيف Times Higher Education (THE) من التصنيفات الرائدة الأخرى التي تعتمد على خمسة مجالات رئيسية: التدريس (بيئة التعلم)، البحث (الحجم، الدخل، السمعة)، الاستشهادات (تأثير البحث)، النظرة الدولية (الموظفون، الطلاب، البحث)، ودخل الصناعة (نقل المعرفة). وقد حققت بعض الجامعات العربية تقدماً ملحوظاً في هذا التصنيف:
•جامعة الملك فهد للبتريرول والمعادن (KFUPM): المرتبة الأولى عربياً.المرتبة 176 عالميا
جامعة ابو ظبي : المرتبة الثانية عربيا المرتبة 191 عالميا .
•جامعة الملك سعود وجامعة خليفة وجامعة قطر : المرتبة الثالثة عربياً.المرتبة 201-250 عالميا
إن التباين في أداء الجامعات العربية بين تصنيف شنغهاي والتصنيفات الأخرى مثل QS و THE يؤكد على أهمية فهم منهجية كل تصنيف، وعدم الاكتفاء بالنظر إلى الترتيب العام. فالجامعات التي تركز على البحث العلمي عالي التأثير قد تتألق في شنغهاي، بينما تلك التي تتميز بالسمعة الأكاديمية والتدويل قد تبرز في QS و THE. هذا التنوع في النتائج يقدم فرصة للجامعات العربية لتحديد نقاط قوتها والعمل على تعزيزها، مع معالجة نقاط الضعف في المجالات التي تحتاج إلى تطوير.
تحديات وفرص الجامعات العربية
على الرغم من التقدم الذي أحرزته بعض الجامعات العربية في التصنيفات الدولية، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه التعليم العالي والبحث العلمي في المنطقة. من أبرز هذه التحديات:
•ضعف الإنتاج البحثي عالي التأثير: لا تزال الجامعات العربية تعاني من نقص في الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المرموقة عالمياً (مثل Nature و Science)، وعدد الباحثين الحاصلين على استشهادات عالية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على ترتيبها في تصنيفات مثل شنغهاي.
•نقص التمويل الموجه للبحث: على الرغم من زيادة الاستثمار في التعليم العالي، إلا أن التمويل المخصص للبحث العلمي، وخاصة البحث الأساسي، لا يزال غير كافٍ في العديد من الدول العربية، مما يحد من قدرة الجامعات على استقطاب أفضل الكفاءات وتوفير البنية التحتية اللازمة للأبحاث المتطورة.
•غياب الحوافز الكافية للباحثين: قد لا تكون هناك حوافز كافية لأعضاء هيئة التدريس للتركيز على الأبحاث الرائدة التي يمكن أن تحقق جوائز عالمية أو استشهادات عالية.
•البيروقراطية والتحديات الإدارية: تعاني بعض الجامعات من هياكل إدارية تقليدية قد تعيق الابتكار والتعاون البحثي الدولي.
•ضعف الارتباط بالصناعة والمجتمع: لا يزال هناك فجوة بين مخرجات البحث العلمي واحتياجات الصناعة والمجتمع في العديد من الدول العربية، مما يقلل من تأثير الأبحاث على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، هناك فرص واعدة يمكن للجامعات العربية استغلالها للارتقاء بمكانتها:
•الاستثمار في رأس المال البشري: جذب واستقطاب أفضل الكفاءات من الباحثين والأساتذة، وتوفير بيئة محفزة للابتكار والإبداع.
•تعزيز التعاون الدولي: بناء شراكات استراتيجية مع الجامعات والمراكز البحثية الرائدة عالمياً، وتبادل الخبرات والمعرفة.
•التركيز على التخصص والتميز: بدلاً من محاولة التميز في جميع المجالات، يمكن للجامعات العربية التركيز على تخصصات محددة تتناسب مع احتياجات المنطقة وتوفر لها ميزة تنافسية عالمية.
•رقمنة التعليم والبحث: الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تطوير أساليب التدريس والبحث، وتوفير الوصول إلى الموارد العلمية العالمية.
•دعم الحكومات والمؤسسات: يجب أن تستمر الحكومات والمؤسسات في دعم الجامعات من خلال توفير التمويل اللازم، وتسهيل الإجراءات، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال.
القيادة نحو المستقبل
إن تحقيق القيادة في التعليم العالي والبحث العلمي ليس مجرد هدف أكاديمي، بل هو ضرورة استراتيجية لبناء مستقبل مزدهر ومستدام في العالم العربي. يتطلب ذلك رؤية واضحة، وإرادة سياسية قوية، وتضافر جهود جميع الأطراف المعنية: الحكومات، الجامعات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني.
يجب على الجامعات العربية أن تتبنى استراتيجيات طموحة تركز على:
•تعزيز ثقافة البحث والابتكار: تشجيع أعضاء هيئة التدريس والطلاب على الانخراط في أبحاث رائدة تعالج التحديات العالمية والمحلية.
•تطوير برامج أكاديمية مبتكرة: تلبي احتياجات سوق العمل المستقبلية، وتزود الطلاب بالمهارات اللازمة للعصر الرقمي.
•بناء قدرات بحثية متقدمة: من خلال توفير المختبرات الحديثة، والمراكز البحثية المتخصصة، والوصول إلى قواعد البيانات العالمية.
•الاستفادة من التنوع الثقافي: تحويل التنوع في المنطقة العربية إلى نقطة قوة من خلال تعزيز التبادل الثقافي والأكاديمي.
•قياس الأداء بانتظام: استخدام التصنيفات الدولية كأداة للتقييم والتحسين المستمر، وليس كمجرد هدف في حد ذاته.
إن مسيرة الجامعات العربية نحو القيادة العالمية هي رحلة طويلة تتطلب الصبر والمثابرة والتخطيط الاستراتيجي. ولكن بالإرادة والعزيمة، يمكن للجامعات العربية أن تصبح منارات للمعرفة والابتكار، تساهم بفاعلية في بناء مستقبل أفضل للمنطقة والعالم.
خاتمة
تُعد التصنيفات الدولية للجامعات مؤشراً مهماً على جودة التعليم العالي والبحث العلمي، وتوفر رؤى قيمة حول أداء الجامعات العربية على الساحة العالمية. فبينما يبرز تصنيف شنغهاي التحديات التي تواجهها الجامعات العربية في مجال البحث العلمي عالي التأثير، تُظهر تصنيفات أخرى مثل QS و Times Higher Education تقدماً ملحوظاً في مجالات السمعة الأكاديمية والتدويل. هذا التباين يؤكد على ضرورة تبني استراتيجيات شاملة تعالج نقاط الضعف وتستثمر في نقاط القوة.
إن “القيادة نحو المستقبل” تتطلب من الجامعات العربية أن تتجاوز مجرد السعي لتحسين ترتيبها في التصنيفات، وأن تركز على بناء منظومة تعليمية وبحثية متكاملة تسهم بفاعلية في التنمية المستدامة، وتأهيل قادة المستقبل، وإنتاج المعرفة التي تحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس. ومع تضافر الجهود بين الحكومات والجامعات والمجتمع، يمكن للعالم العربي أن يحقق قفزة نوعية في مجال التعليم العالي، ويتبوأ مكانته المستحقة كمركز للتميز الأكاديمي والبحثي على مستوى العالم.
المراجع
[1] ShanghaiRanking Consultancy. (2025). Academic Ranking of World Universities (ARWU) 2025 Methodology. Retrieved from https://www.shanghairanking.com/rankings/arwu/2025
[2] ShanghaiRanking Consultancy. (2025). 2025 Academic Ranking of World Universities. Retrieved from https://www.shanghairanking.com/_pub/com/arwu/2025/2025%20ACADEMIC%20RANKING%20OF%20WORLD%20UNIVERSITIES.pdf
[3] QS Quacquarelli Symonds. (2024). QS Arab Region University Rankings 2025. Retrieved from https://www.topuniversities.com/arab-region-university-rankings
[4] موقع منح العرب. (تاريخ غير معروف). أفضل جامعات عربية لعام 2025 | السعودية تتصدر القائمة. تم الاسترجاع من https://arabscholarshipz.com/%D8%A3%D9%81%D8%B6%D9%84-%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-2025/
[5] وكالة الأنباء السعودية (SPA). (2025). عام / جامعة الملك خالد الأولى وطنيًّا والثانية عربيًّا والخمسون عالميًّا في …. تم الاسترجاع من https://www.spa.gov.sa/N2285969
[6] الجامعة السعودية الإلكترونية. (2025). الجامعة السعودية الإلكترونية تُسجل حضورًا عالميًا ضمن أفضل الجامعات …. تم الاسترجاع من
No comment